يتميز د. جلال أمين فى كتبه ومقالاته بأنه يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من إجابات، وهذه هى وظيفة المفكر الحقيقى، أن يصنع عصفاً ذهنياً ويحرث أرض الفكر الراكدة فى مجتمعه لا أن يحرسها ويحرس تخلفها ويرسخه بحجة الاستقرار. كتاب «محنة الدنيا والدين فى مصر» من هذه النوعية، فهو قد طرح أسئلة مفصلية، علينا جميعاً التفكير فيها ونقلها من خانة البديهيات والمقدسات إلى خانة الشكوك والتساؤلات، البديهية الأولى هى: هل الدين هو كل الحياة أم جزء من الحياة؟ سؤال مفصلى ومهم وحسم الإجابة عليه هو حسم لجدل كبير وصراع مرير ظل مئات السنين وكنا فى غنى عنه لو كنا قد فهمناه واستوعبناه وأجبنا عنه دون تشنج حتى لا نصل إلى مرحلة سؤال هيئة كبار العلماء عن استنشاق الهواء هل هو حلال أم حرام! سؤال آخر: هل التطرف كلمة عيب؟ غاندى متطرف فى رفضه للتغريب، ومانديلا متطرف فى رفض الظلم، وتشرشل فى ولائه للوطن، ما نعيشه من مواقف التيارات الدينية ليس مجرد تطرف بل هو هوس، وهذا هو التوصيف الحقيقى الذى يفضّله جلال أمين لتصوير أحداث غريبة من قبيل قص شعر طفلة غير محجبة كعقاب من المدرسة أو حرق إنجيل أمام سفارة أمريكا أو قتل طالب فى السويس لأنه يسير مع خطيبته على الكورنيش! بديهية ثالثة مهمة يطرحها مؤلف الكتاب عن مبدأ الرضوخ للأغلبية وهل هى دائماً على حق؟ وهل لو خرجت الأغلبية على حقيقة علمية أو منطق بحت أو حق طبيعى لإنسان هل يجب أن نقول آمين لمجرد أن الأغلبية قالت كذلك؟ هل لو اتفق السلفيون والإخوان، أغلبية مجلس شعب مرسى، على تحريم النحت أو منع تدريس داروين.. إلخ، هل نرضخ لأنهم أغلبية برلمان؟! هل صك مصطلح وشعار من قبَل الدولة يبرر تمرير الجرائم من خلال هذا المصطلح؟ هل بالاشتراكية أو النهى عن المنكر أو المساواة والإخاء من الممكن أن أقتل وأذبح المعارضين؟! ما زال جلال أمين يمارس طرح الأسئلة وخلخلة البديهيات، هل الفضيلة تختصر فى الشكليات والمظاهر الخارجية كاللحية وتقصير الجلباب أم أنها سلوك أكثر عمقاً وتركيباً من تلك الشكليات؟ مفاهيم أخرى ينادى جلال أمين بإعادة تعريفها مثل الحرام والأخلاق، إلى آخر تلك الكلمات التى انتُهك معناها واستُغل سياسياً لتمرير كوارث وجرائم. إنه كتاب يستحق القراءة والتأمل.